التيه
تأليف / طائر النار
بعد زيارتي الى مرقد السيدة زينب في مدينة دمشق عدت الى غرفتي في الفندق المتواضع الذي اطل على ابنية قديمة فاحت منها روائح مميزة لم اشمها من قبل .
قررت ان اعود الى بغداد بعد ان اكملت عملي في دمشق فسهرت تلك الليلة لاودع اجواء دمشق الساحرة التي اعجبت بها بصورة كبيرة .
استيقظت من نومي على انغام منبه هاتفي النقال الذي ضبطت منبهه على الساعة السادسة صباحا لالحق السيارات المنطلقة من محطة الباصات المركزية المتوجهة الى بغداد الحبيبة .
وصلت الى المحطة في الوقت المناسب فوجدت باصاً واحداً متوجهاً الى بغداد توجهت اليه مسرعا وسلمت حقيبة يدي السوداء الى العامل ليدخلها الى صندوق الباص الكبير ، فركبت الباص وكان قلبي يخفق بقوة لدرجة انه كاد ان يقتلع نفسه من صدري من الفرح الشديد بسبب العودة الى بغداد الحبيبة التي تعلق قلبي بها منذ ان وضعتني امي .
انطلق الباص نحو بغداد ليعانق بذلك خيوط الشمس الذهبية التي توجهت اليه كانها تدعوه اليها بكل حب وتقدير .
بدأت آثار الحضارة تتلاشى كلما ابتعدنا عن دمشق و تبدلت بمناظر خلابة سحرتني وجعلتني احمد الله الف مرة لانه جعلني انظر الى هذا الجمال الطبيعي فالجبال العالية في كل مكان والخضرة المدهشة تعيد الي ذكريات طفولتي التي قضيتها في احدى بساتين منطقة الكريعات .
وصلنا الى نقطة تفتيش بالقرب من الحدود العراقية فاوقفتنا شرطة الحدود لتفتشنا فصعد الضابط الى الباص وسلم علينا ونظر الى جوازات سفرنا و رحل بعد ذلك مسلماً علينا وعلى وجهه ابتسامة مرهقة تكاد تنعدم من شدة تعبه .
دخلنا الحدود العراقية فدخل سائق الباص في طريق ترابية لا يميز الطريق فيها سوى آثار العجلات التي سبق وان مرت به فاعترضت عليه وسألته اين يذهب بنا فاجابني بنبرة الواثق من نفسه بانه يأخذنا في طريق مختصر فلم يقنعني بذلك و اخذت استمر باعتراضي عليه الا ان من كانوا معي قالوا لي لا تتدخل بما لا يعنيك فان السائق يعرف طريقه جيداً .
ضل السائق يسير بنا في هذا الطريق وقتا كبيرا جدا حتى ان ضوء الشمس بدء يتلاشى فانتبهت الى امر لم يكن في حسباني ابدا انتبهت الى اتجاه سير الباص فوجدته يتجه نحو الجهة الشمالية اي نحو الحدود التركية فنبهت السائق مرة اخرى ولكن لا حياة لمن تنادي .
استمر السائق بعناده و اصر على مواصلة طريقه وظل يسير بنا حتى انبلج صباح اليوم التالي فنظرت الى جهة الشرق فوجدتها على يميننا فصرخت بقوة مؤنبا السائق عن خطأه الفادح الذي جعلنا في هذا الموقف الصعب ولكنه استمر في عناده .
سلمت امري الى الله رحت اترقب الساعة التي ينفذ فيها وقود الباص لنموت فيه من الجوع والعطش او تأكلنا ذئاب الصحراء المتوحشة فنتمزق اربا بسبب عناد السائق .
وفي هذه اللحظات الصعبة واثناء تأملي في نهايتنا المأساوية دعوت الله بان ينجينا من هذا المأزق الكبير وبكيت بكاءً شديدا وما هي الى دقائق واذا بي ارى في مرآة السائق الجانبية غباراً يقترب منا شيئاً فشيئاً وعند اقترابه اكثر عرفت بانها سيارة ( بيك اب ) يقودها رجل بدوي ذو لحية كثة فامر السائق بالوقوف فتوقف فسأله البدوي عن وجهته فاجابه بانه متوجه الى بغداد فتعجب البدوي من ذلك وقال له بانه لو استمر في هذا الطريق ساعة واحدة اكثر لقتلته نيران حرس الحدود التركية لدخوله اليها بصورة غير شرعية .
فأمر البدوي سائق باصنا بان يسير خلفه لكي يوصله الى الطريق المؤدي الى بغداد فسار البدوي امامنا و لم يتركنا الا بعد ان وضعنا على طريق بغداد الرئيسي ودون اي شيء رحل عنا متوجها نحو الصحراء بعد ان انقذنا من موت محقق .
وبعد سويعات قليلة وصلنا الى بغداد وعند نزولي من الباص تذكرت قول الله تعالى (( ادعوني استجب لكم )) لان دعائي الى الله هو الوحيد الذي انقذني من هذا الموقف العصيب فعدت الى بيتي سالماً والحمد لله .