ابن قتيبة :وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم ,أصله فارسي,من مرو ,ولد بالكوفة سنة 213هـ وتربى في بغداد ,وتولى القضاء بدينور,وتوفي سنة 276هـ .
الف ابن قتيبة هذا الكتاب في الشعراء و اشعارهم حيث نقل لنا حياة الكثير من الشعراء المعروفين متخذا من تفاصيل حياتهم الدقيقة سفينة نجاة يبحر بها في بحار تجاربهم الادبية كل حسب عصره و بيئته و نسبه و جودة شعره و فنه و ما الى ذلك من امور تزيح الغمة عن اؤلئك الشعراء و اعتقد انه اعتمد على نسبهم بصورة كبيرة حيث انه نقل عن بعضهم و غيب بعضهم و هذا ما سنلاحظه في الصفحات القادمة من التقرير.
من المؤكد ان يسلط الضوء على الفحولة من الشعراء العرب ممن ذاع صيتهم ممن اتقنوا الشعر اتقانا و الذين جعلوا من قصائدهم منارة يهتدي اليها كل ضال في محيطات الشعر العربي الكبيرة التي لا نهاية لها .
لا اعرف لماذا تجاهل ابن قتيبة بعض الشعراء ممن لم يعتبرهم ناجحين برغم ان بعض النقاد سلطوا الاضواء على من غمرهم ابن قتيبة و وصفهم باللذين قل ذكرهم و كسد شعرهم و لم تعرفهم سوى قبائلهم و ممن وصفهم بكساد الشعر و هذا برأيي الخاص خطأ فادح ارتكبه ابن قتيبة بحق كتابه و صنع بنفسه ثغرة للنقاد كي ينفذوا الى نقد كتابه بالسوء أي انه اوجد الخطأ الذي يبحث عنه النقاد .
ساناقش الآن رأيي في عدم الرضا عن عدم نقله لجميع الشعراء .
في حقيقة الأمر ان مثل هكذا وقفة تستحق التمحيص و البحث لانها حساسة بعض الشيء فقضية عدم معرفته لتلك الشريحة التي ذكرها غير موثوق بها و ذلك لان الشعراء العرب و خاصة في الجاهلية كانوا يعلنون عن نتاجهم الادبي للناس عن طريق بيئتهم التي انحسرت في مكة المكرمة فكان الشعراء يقدمون اليها من كل صوب في موسم الحج و يلقون قصائدهم في سوق عكاظ كي تسمعها العرب مهتمين طبعا بأي قريش لانهم الميزان الذي اعتمده الشعراء في كيل نتاجاتهم الشعرية فهل من الممكن ان يبرز في قبيلة ما من قبائل العرب شاعر و لايذهب الى هناك لتعرفه العرب لماذا لم يقل بان الذين لم يذكرهم ليسوا بشعراء الا انه ادان نفسه حينما اطلق عليهم لفظة ( شعراء) و هذا هو الوجه الاول .
اما الوجه الثاني فهو يكمن في كون اولئك الشعراء من الذين لم يظهروا بسبب عدم توفر الفرصة لهم مما جعلهم معروفين على مستوى قبائلهم فذكرتهم قبائلهم و افتخرت بهم الا ان ابن قتيبة لم يقتنع بهم .
الوجه الثالث و هو العداوة بين ابن قتيبة و اولئك الشعراء مما جعله يخفي اسماءهم تنكيلا بهم .
و الوجه الرابع هو المصالح السياسية و هذا ما وجدته في قصة الكميت الاسدي من ان الطمع هو الذي جعله يكتب في مدح اهل بيت النبي و ترك مدح امية و هذا الرأي اضربه بعرض الحائط آلاف المرات و لا اعده رأيا صحيحا مع تجردي طبعا من أي هوية غير هويتي الادبية .
هل من الممكن ان يسمي ابن قتيبة شعراء الواحدة ممن ( كسد شعرهم ) و العرب قد عرفتهم بتلك القصيدة الواحدة المشهورة البديعة ؟
في حقيقة الامر كان على ابن قتيبة ان يكون عادلا في تسمية كتابه ( الشعر و الشعراء ) كان عليه ان يسميه ( شعر و شعراء ) حتى لا يشمل بهذه التسمية جميع الشعر و الشعراء في ما نقله و استغرق بـ ( الشعر و الشعراء ) أي جميع الشعر و الشعراء لانه قد يكون متجاهلا لكثير من الشعراء المبدعين بسبب انتماءاتهم السياسية او القبلية و هذا رأي شخصي افتراضي .
ان ابن قتيبة ذكر في مقدمته الكثير من النقاط التي تجاوزت الـ (111) نقطة اصطفيت منها عدة نقاط و علقت عليها و هذه تعليقاتي على تلك النقاط :
ذكر ابن قتيبة في النقطة السادسة رواية لطيفة نقلها لنا تسلط الضوء على الواقع النقدي في عصر ما و هي رواية ( ابو الضمضم ) حينما انشد لشخصين ابياتا لـ
(180) شاعرا اسمهم ( عمرو ) فلم يدع لهما مجالا لاسقاطه او النيل منه و برغم ذلك لم يعتبره الاصمعي من الرواة الاكفاء و هذا يدل على قضية مهمة في النقد العربي هي ان النقد العربي صعب و جاف منذ العصور الشعرية الاولى فلولا ذلك لما كان للاصمعي ان يصدر حكمه المجحف على ابي ضمضم و هذا مخالف لما يقوله الدكتور طه احمد في كتابه ( تاريخ النقد عند العرب ) بان النقد في الجاهلية كان في (مرحلة الطفولة ) و الدليل على صحة قولي هو الجودة الشعرية التي وصل اليها الشعراء في العصر الجاهلي مما يدل على انهم جعلوا من الاراء النقدية في ذلك الوقت(كعبة) يحجون اليها في مواسم قصائدهم و هذا رأي شخصي لا اكثر .
فصل ابن قتيبة في النقطة الحادية عشرة من مقدمته بين الشعراء و صحابة رسول الله (ص) و التابعيين المخلصين و هذا برأيي نابع من ركنه للشعراء في خانة البعيدين عن الدين او قد يكون تقديسا للصحابة الكرام و انا طبعا مع الرأي الثاني لان الاسلام لم يمنع الشعر او يحرمه الا ان الفهم الخاطئ للمسلمين جعل النظرة الاولى سائدة .
في حقيقة الامر ان طرح ابن قتيبة لقضية العلم و الشعر عبر العصور المختلفة تعتبر برأيي التفاتة رائعة منه لمثل هكذا موضوع مختلف عليه بين النقاد بصورة كبيرة فمثلا ما قيل عن عصر صدر الاسلام من ان الشعر العربي ضعف فيه و لم يكن له نتاج يحتذى به و ان بساتينه بدأت بطرح ثمارها في القرن الثاني الهجري و ما الى ذلك من اختلافات في وجهات النظر ، فوجهة نظر ابن قتيبة هنا تحمل شيئا من الصحة لانه يتخذ من العوامل التي تصاحب الشعراء في عصورهم المختلفة حجة على النجاح او الفشل الذي يصيب الشاعر في عصره .
و اهتم ايضا بالشعراء المحدثين و جعل منهم نورا خفيا يظهر من ثقب باب صغير لا يتجلى بصورته الكاملة الا بعد فتح الباب .
تقسيماته للشعر
لم اجد من خلال قراءتي لاقسام الشعر في مقدمة الكتاب شيئا سوى ضروب الشعر التي قسمها حسب الجودة و ما الى ذلك و كل هذا قابل للنقل فقط و النقل لا يفيد تقريرنا هذا بشيء سوى التذكير بالقواعد التي سار عليها الشعراء في تلك الفترات التي نقل منها ابن قتيبة .
في الحقيقة لفتت نظري ملاحظة بسيطة في نهاية تقسيمات الشعر و هي في النقطة (111) حيث قال ان لكل شاعر فنا شعريا خاصا به لا يستطيع ان يغيره و اذا غيره يعاب عليه التغيير للتغير الذي يحصل في شعره مما يصنع للشاعر ثغرة يستطيع النقاد النفوذ منها الى اخطاءه فيمكنهم منه فيسقطونه بسبب هفوة صغيرة وقع فيها و هذا نراه جليا في عصرنا الحاضر و هذا شيء طبيعي لان العرب لم يفكروا يوما بالتجديد بل ضلوا يراوحون مكانهم و خاصة في قضية القصيدة العمودية التي تسير على منوال الجاهلين و منوال ازمان مضت اكل الدهر عليها و شرب و لا يعترف البعض منهم بشاعرية غيرها من القصائد المستحدثة امثال قصيدة الشعر الحر التي كان السياب و لا زال رائدها الاول و الاخير من خلال ماوصلنا منه من قصائد جسد بها نجاعة التغيير في التفاعيل الشعرية لبعض الاوزان فاصبحت قصائده خالدة على عيوبها ( كما يرى بعض النقاد ) بينما اضمحل بعض الشعراء الذين عاصروه من الذين كتبوا القصيدة العمودية المحكمة .
و نجاح السياب في هذا المجال كان سببه المساحة التي اتاحتها قصيدة الشعر الحر مما ادى الى تجسيد الكثير من الصور الشعرية التي لولا مساحة الشعر الحر لما استطاع ايصالها الينا بهذه الصورة علما ان السياب برأيي مستثنى من كونه غير قادر على الابداع في القصيدة العمودية لانه كتب فيها و ابدع بعكس شعراء العصر الحاضر الذين كتبوا القصيدة العمودية في بداية تجاربهم الشعرية الا انهم وجدوا انفسهم قد فشلوا فيها فكتبوا في قصيدة الشعر الحر ثم فشلوا ايضا فسقطوا في قصيدة النثر و هذا بصراحة اعتبرها نقطة سوداء في سجلاتهم .
اما قولي في قصيدة النثر المستحدثة فهي فن جميل برغم انها كانت تأثرا بالشعراء الغربيين امثال ( رامبو ، و بودلير ) و غيرهم من الشعراء الذين لا يسعني المقام لذكرهم .
اما ما قلته عن سقوط الشعراء فيها فليس القصد اسقاطها انما القصد هو ان يبدأ الشاعر النثري حياته الشعرية بها و يبدأ بالتطور شيئا فشيئا ليصل الى مرحلة النضوج الشعري الكافي لكتابة القصيدة العمودية لان قصيدة النثر رحبة الصدر تستوعب كاتبها حتى وصوله الى درجة من الوعي لا يصل اليها الشاعر العمودي في كتابته للقصيدة العمودية فيضطر الى السقوط في قصيدة النثر .
اما رواد قصيدة النثر في عصرنا هذا امثال ( محمد الماغوط ، ادونيس ) برغم ان لهم قصائدا نثرية رائعة الا انهم في نفس الوقت فشلوا بعض الشيء و ذلك لانهم اعتمدوا الطريقة الغربية في كتابتها و لم يفكروا في صناعة شاعر عربي يكتب قصيدة نثر عربية بعيدة عن اصولها الغربية .
ملاحظة :ما ذكرته رأي شخصي افتراضي لا اكثر و لا اقل .
اعود الآن الى مقدمة كتاب ابي محمد ففي جزءه الاخير تطرق الى ما يعيب الشعر من اقواء و اكفاء و اخطاء نحوية و عروضية و ما الى ذلك من امور و اعتبر تلافيها امرا اساسيا لنجاح القصيدة و هذا بالتأكيد رأي سديد لا غبار عليه و من لم يستطع تلافيها فليترك الشعر و يرحل .
و في نهاية موضوعي البسيط احب ان اقدم شكري الجزيل لاستاذي العزيز ( د . رعد الزبيدي ) على جعلي اعلق تعليقا بسيطا على هذا الكتاب الجميل الذي فتحت لي مقدمته ابوابا كانت غائبة عني في ازمان مضت مع تقديري و احترامي الشديدين .