فيلم ( حب في بغداد ) تحت المجهر
ان السينما العراقية برغم قصر عمرها و اقتصاره على مرحلة الفتوة الا أنها علقت في اذهاننا الكثير الكثير من الاشياء التي غارت في قيعان ذاكرتنا العميقة . تميزت السينما العراقية بالواقعية البحتة التي امتزج فيها لونان من الوان الفن الا و هما التراجيديا و الكوميديا اذ انهما قلما اجتمعا في السينما العالمية المتطورة التي تميزت بالدقة العالية .
قاسم الملاك الفنان العراقي الذي اختصرت الاقدار في شخصيته الكثير من الشخصيات التي جعلته طفرة في عالم الفن العراقي بجميع فروعه و فنونه ، فقد مثل ادوارا كوميدية في افلامه (حب في بغداد) و ( 6/6 ) ، الذان حققا نجاحا جماهيريا على جميع الاصعدة و بالاخص الجانب الجماهيري الذي ظل محتفظا بملصقات دعايته في ادراج دواليبه . و ابدع الفنان قاسم الملاك ايضا في الجمع بين الكوميديا و التراجيديا كما وجدناه في مسلسل ( حب و حرب ) الذي مثل فيه حياة المواطن العراقي البسيط و ترك في النفوس ما لم تتركه اعمال اخرى في نفس المشاهد.
( حب في بغداد ) من الافلام العراقية الناجحة و التي انتجت في فترة الثمانينيات أي فترة ازدهار السينما العراقية اليتيمة .
جمع هذا الفيلم في طياته الكثير من القضايا العامة التي تهم المواطن و اظهرها في مواقفه الطريفة و المحزنة في بعض الاحيان ، فقد بني على الحب الذي أنشأته الصدف الغريبة و الطريفة في الوقت نفسه ، و لم يبق هذا الفيلم معتمدا على الحب بصورة اساسية بل اعتمد على قضايا اخرى منها :
1- الحب :- الحب بمعناه العام غني عن التعريف لانه اساس الحياة الا ان اسباب نشأته هي التي تستحق تسليط الضوء عليها . و الحب الذي سلط الفيلم الضوء عليه هو الحب الذي تنشئه الصدف ، و نجد هذا الحب جليا في الفيلم عندما يتعرف ( قاسم الملاك ) على الفنان( راسم الجميلي ) في الطريق عندما تتوقف سيارته ( البيك اب ) بسبب عطل ما فيصلحها ( قاسم الملاك ) فيتبناه ( راسم الجميلي ) ليعيش معه في بيته فيحب ( قاسم الملاك ) ابنة الجميلي ( اقبال نعيم ) و يتزوجها فيما بعد . اما حب الطفولة و الشباب فقد وجد في الفيلم ايضا حيث يحب ( قاسم الملاك ) ابنة احد الساكنين في منطقته فيتزوجها فيما بعد ايضا ، اما الحب الحقيقي فقد وجد ايضا و تجسد في شخصية الفنانة ( اقبال نعيم ) حيث ظلت زوجة مخلصة لقاسم الملاك حتى نهاية القصة .
2- فقدان الذاكرة : يظهر البطل في الفيلم فاقدا للذاكرة بسبب حادث اصابه قتنقلب بذلك حياته راسا على عقب ، فقبل فقدانه الذاكرة يكون ساكنا في العاصمة بغداد و بعد فقدان الذاكرة يسكن في اطراف بغداد .
3- اظهار الطيبة النادرة : و يتمثل هذا الجانب في عملية التبني التي يقوم بها الفلاح الريفي البسيط الا و هو الفنان ( راسم الجميلي ) للرجل الغريب الذي صادفه في طريقه و هو الفنان ( قاسم الملاك ) الذي يكرمه كرما شديدا من دون سابق معرفة به .
4- الخيانة و الطمع : نجد الخيانة في قصة هذا الفيلم واضحة في موقف مألوف لدينا الا و هو ترك الحبيب و الذهاب إلى شخص آخر بسبب غناه ، و نجد الخيانة جلية في ترك الفنانة (سناء عبد الرحمن) و هي حبيبة ( قاسم الملاك ) السابقة أي قبل فقدانه الذاكرة و اختفائه عن عائلته لخطيبها الفنان ( محمود ابو العباس ) بعد ظهور ( قاسم الملاك ) مرة اخرى و حصوله على ارث كبير و هذه هي الخيانة بعينها .
و لا يسعني في نهاية هذا الموضوع سوى الاعتراف بالتقدير و الاعتراف بالجميل لكل من عمل على اظهار السينما العراقية بهكذا صورة عالقة في اذهاننا إلى يومنا هذا برغم قصر الفترة التي ظهرت فيها هذه السينما الفتية الجميلة ، و نتمنى و نرجو من القائمين في دائرة السينما و المسرح ان يسعوا سعيا دؤوبا لاعادة فتح ملف السينما العراقية و النظر فيه لما له من اهمية كبيرة في اظهار الوجه الفني الآخر للفن العراقي الذي اثبت كفاءة عالية في مجاليه الدرامي و المسرحي و في اظهار المبدعين المدثورين تحت رماد الحروب و لاظهار هموم الناس في ظل الانفتاح على الديمقراطية .