حَييتُ سفحكِ عن بُعدٍ فحييني ** يا دجلة الخير، يا أُمّ البساتينِ
حييت سفحك ظمآناً ألوذُ بهِ ** لوذَ الحمائم بين الماء والطينِ
يا دجلةَ الخير يا نبعاً أفارقهُ ** على الكراهة بين الحين والحينِ
إني وردتُ عيونَ الماءِ صافيةً ** نبعاً فنبعاً فما كانت لترويني
وأنتَ يا قارباً تلوي الرياح بهِ ** لَيَّ النسائمِ أطرافَ الأفانينِ
وددتُ ذاك الشراعَ الرخص لو كفني ** يُحاكُ منه غداةَ البينِ يطويني
يا دجلةَ الخير: قد هانت مطامحنا ** حتى لأدنى طماحٍ غيرُ مضمون
أتضمنين مقيلاً لي سواسيةً ** بين الحشائش أو بين الرياحينِ
خلواً من الهمّ إلاّ همّ خافقةٍ ** بين الجوانحِ أعنيها وتعنيني
تهزني فأجاريها فتدفعني ** كالريح تُعجِلُ في دفع الطواحينِ
يا دجلة الخير: ما يُغليكِ من حنقٍ ** يُغلي فؤادي، وما يُشجيك يشجيني
ما إن تزال سياطُ البغي ناقعةً ** في مائك الطُهْرِ بين الحين والحينِ
و والغاتٌ خيولُ البغي مصبحةً ** على القرى آمناتٍ والدهاقينِ
يا دجلة الخير: أدري بالذي طفحت ** به مجاريك من فوق إلى دونِ
أدري على أي قيثارِ قد انفجرت ** أنغامُكِ السُمر عن أنّاتِ محزونِ
أدري بأنكِ من ألفٍ مضتْ هدراً ** للآن تَهْزَينَ من حكم السلاطينِ
تهْزَيْنَ أنْ لم تزلْ في الشرق شاردةً ** من النواويس أرواحُ الفراعينِ
تهْزَيْنَ من خصبِ جنات منشّرةٍ ** على الضفافِ، ومن بؤس الملايينِ
تهْزَيْنَ من عُتقاءٍ يوم ملحمةٍ ** أضفوا دروعَ مطاعيمٍ مطاعينِ
الضارعين لأقدارٍ تحلُّ بهم ** كما تلوّى ببطنِ الحوتِ ذو النونِ
يرون سودَ الرزايا في حقيقتها ** ويفزعون إلى حدْسٍ وتخمينِ
والخائفين اجتداعَ الفقرِ ما لَهمُ ** والمُفضلينَ عليه جدْعَ عرنينِ
واللائذين بدعوى الصبرِ مجبنةً ** مُستعصمينَ بحبلٍ منه موهونِ
والصبرُ ما انفكّ مرداة لمحتربٍ ** ومستميتٍ، ومنجاةً لمسكينِ
يا دجلة الخير: هلاّ بعضُ عارفةٍ ** تُسدى إليَّ على بُعدٍ فتجزيني
يا دجلة الخير: مَنّيني بعاطفةٍ ** وألْهمينيَ سلواناً يُسلّيني
يا دجلة الخير: من كل الأُلى خبروا ** بلوايَ لم ألقَ حتى من يواسيني
يا دجلة الخير: خلّي الموجَ مرتفعاً ** طيفاً يمرُّ وإن بعضَ الأحايينِ